بعد أحداث 11 سبتمبر وما خلفته ورائها من رواسب نفسية على الكثير من الأمريكيين، يعاني طفل بالغ من العمر 9 سنوات من آثار واقعة وفاة والده بتلك الأحداث، وإذا به يكتشف مفتاحًا غامضًا يخص والده، فيبدأ في...اقرأ المزيد رحلة للبحث عن الخزانة التي تخص ذلك المفتاح، وعبر رحلته تلك يقابل العديد من الشخصيات المختلفة ويتعرف على أرائهم.
بعد أحداث 11 سبتمبر وما خلفته ورائها من رواسب نفسية على الكثير من الأمريكيين، يعاني طفل بالغ من العمر 9 سنوات من آثار واقعة وفاة والده بتلك الأحداث، وإذا به يكتشف مفتاحًا غامضًا...اقرأ المزيد يخص والده، فيبدأ في رحلة للبحث عن الخزانة التي تخص ذلك المفتاح، وعبر رحلته تلك يقابل العديد من الشخصيات المختلفة ويتعرف على أرائهم.
المزيدلا تربطني صلة مباشرة بهذه الأرض التي اهتزت صباح الحادي عشر من سبتمبر، لكنني – كالكثيرين حول العالم – أتذكر هذا اليوم جيدًا. أتذكر آثاره النفسية العميقة، والصمت الثقيل الذي غلف العالم حينها. جاءت أعمال فنية كثيرة لتتناول تلك المأساة، بعضها سياسي، وبعضها وثائقي، وبعضها إنساني بامتياز. لكن فيلم Extremely Loud & Incredibly Close قرر أن يتناول الحكاية من زاوية لم يُسلط عليها الضوء كثيرًا: من خلال طفل توحدي فقد والده في ذلك اليوم المشؤوم. الفيلم، في بدايته، يبدو بطيئًا ومليئًا بالتفاصيل التي قد...اقرأ المزيد تدفع البعض للتخلي عن مشاهدته. إلا أنه ما يلبث أن يتحول إلى تجربة شعورية مؤثرة وعميقة، تلامس القلب قبل العقل. يحكي الفيلم قصة "أوسكار شل" (توماس هورن)، طفل يبلغ من العمر تسع سنوات، يعاني من أعراض الطيف التوحدي، يفقد والده (توم هانكس) في تفجيرات مركز التجارة العالمي، ليدخل بعدها في حالة من الاضطراب والحزن والارتباك. في لحظة اكتشافه مفتاحًا غريبًا داخل إحدى خزائن والده، ينطلق أوسكار في رحلة عبر مدينة نيويورك بحثًا عن القفل الذي يفتح ذلك المفتاح. يقرر أن يزور كل شخص يحمل اسم "بلاك"، الاسم الوحيد المرتبط بالمفتاح، في محاولة يائسة لفهم ما تركه والده خلفه، وربما لفهم العالم بأسره من خلاله. أداء توماس هورن في هذا الفيلم يُعد استثنائيًا، خاصةً إذا علمنا أنها تجربته السينمائية الأولى. أداؤه المُتقن لحالة التوحد، من انطوائية شديدة إلى حركاته الدقيقة ومخاوفه، كان مؤثرًا إلى حد كبير. شخصيته لم تكن فقط بوابة لفهم فقدان الأب، بل كانت رمزًا لطفل يحاول العثور على منطق في عالم انهار من حوله فجأة. ما جعلني أرتبط أكثر بالفيلم هو خلفيتي الشخصية في دراسة حالات التوحد، وفهمي لمعاناتهم مع العالم الخارجي. ولهذا شعرت بدهشة حقيقية أمام أداء هورن، وطرحت على نفسي السؤال: هل هذا الطفل بالفعل مصاب بالتوحد؟ أم أنه فقط بارع إلى هذا الحد؟ تأتي ساندرا بولوك بدور الأم التي تحاول بصعوبة احتواء ابنها دون أن تفرض عليه عاطفتها، لتقدم أحد أعمق أدوارها في مشهدية أمومة هادئة لكنها مؤثرة. أما توم هانكس، فرغم ظهوره المحدود، فقد نجح في تجسيد الأب الدافئ والذكي، الذي يترك خلفه فراغًا لا يُملأ. أحد أجمل مفاجآت الفيلم كانت ماكس فون سايدو، الذي أدى دور "المستأجر" العجوز، الرجل الغامض الذي لا ينطق بكلمة واحدة طوال الفيلم، لكنه يُعبر بتفاصيل وجهه وصمته أكثر مما قد تفعله الكلمات. لا عجب أنه ترشح لجائزة الأوسكار عن هذا الدور. ورغم أن الفيلم يعالج موضوعًا أمريكيًا جدًا، إلا أن رسالته الإنسانية شديدة العالمية: كيف يتعامل إنسان – وخاصة طفل – مع الفقد؟ كيف يواجه العالم وهو لا يفهمه أساسًا؟ وكيف يمكن للأمل أن يوجد حتى وسط أنقاض الحزن؟ الفيلم لا يُقدم قصة تقليدية، ولا يعتمد على التشويق أو الأحداث المتسارعة، بل يختار أن يسير بهدوء، بأنفاس متقطعة، تشبه تمامًا أنفاس طفل يتعلم كيف ينجو من فاجعة لا يستوعبها. لهذه الأسباب، أعتقد أن Extremely Loud & Incredibly Close هو واحد من أصدق الأفلام التي تناولت أحداث 11 سبتمبر، وأكثرها إنسانية وعاطفية. فيلم يستحق أن يُشاهد، لا لكونه دراميًا فقط، بل لأنه درس في الشعور، وفي الفقد، وفي محاولة ترميم الذات المنكسرة.