في زمن تتشابه فيه أفلام الرعب وتتكرر التيمات، يأتي فيلم Abigail ليكسر هذه القاعدة، حاملاً معه فكرة جريئة ومبتكرة تنقل مصاصي الدماء من الكهوف والظلام إلى خشبة المسرح، حيث تُحول راقصة باليه صغيرة عالم الرعب إلى لوحة فنية مقلقة وجذابة في آن واحد. من اللحظة الأولى، يضعنا الفيلم في حالة من الترقب: مجموعة من الخاطفين يختطفون فتاة صغيرة، يخططون للحصول على فدية ضخمة من والدها الغامض. لكنّ ما لا يعرفونه أن هذه "الطفلة" هي في الحقيقة مخلوق غريب، مصاصة دماء، تتمتع بقوة خارقة وقدرات مرعبة، وتُخفي خلف حركات الباليه البريئة طبيعة مفترسة لا ترحم. الفكرة ليست فقط جديدة، بل تتمتع بذكاء سردي يسمح للجمهور أن يتأرجح بين الضحك والرعب، بين التعاطف مع الطفل الظاهر، والخوف الحقيقي من المخلوق الكامن بداخلها. المخرج استطاع أن يخلق أجواء بصرية قوية تخدم المزاج العام للفيلم: تصميم القصر حيث تُحتجز Abigail يوحي بالعزلة والخوف، والإضاءة الباهتة المائلة إلى البارد تعزز شعور الترقب والقلق. المؤثرات البصرية كانت حاضرة بقوة، دون أن تطغى على السرد، بل جاءت لتعزز اللحظات المرعبة وتُبقي أعصاب المشاهد مشدودة من البداية حتى النهاية. أداء إليسيا وير في دور Abigail كان مذهلاً. استطاعت ببراعة أن تمزج بين البراءة والوحشية، تؤدي الحركات الراقصة بانسيابية ثم تنقض على ضحاياها بدم بارد. حضورها على الشاشة كان طاغياً، خصوصًا في المشاهد التي تمزج فيها بين الأداء الجسدي والصمت المتوتر. أما ميليسا بابربرا، المعروفة بدورها في سلسلة Scream، فاستمرت في تقديم أداء متزن وذكي، رغم أن شخصيتها لم تُمنح الكثير من العمق الدرامي، لكنها أدت دورها كعنصر قيادي في مجموعة الخاطفين بشكل مقنع، وأضافت لمسة إنسانية ضرورية. وبعكس كثير من أفلام الرعب الحديثة، لم يعتمد Abigail على مشاهد دموية مبالغ فيها أو "قفزات مرعبة" غير مبررة. كل مشهد مرعب كان له سببه، وكل نقطة دم كانت في مكانها الصحيح. المشاهد المخيفة جاءت مدروسة، واستخدم فيها الإخراج الذكي الإضاءة، الصمت، وحركات الكاميرا لصنع التوتر، لا مجرد الصدمة. ورغم أن بعض الشخصيات الثانوية بدت نمطية — مثل السائق العصبي، أو الخاطف العنيف — إلا أن وجودهم خدم الحبكة، خصوصًا أن الفيلم لم يكن بحاجة لتعقيد شخصياتهم بقدر حاجته إلى ديناميكية تتيح لظهور Abigail أن يكون محوريًا وصادمًا. لكن لو كانت هناك نقطة ضعف حقيقية في الفيلم، فهي بطء البداية. استغرق وقتًا أطول من اللازم للدخول في صلب الرعب، وكأن صُاعه أرادوا "تجميع الفريق" بتفصيل أكثر من الضروري، مما قد يصيب بعض المشاهدين بنفاد الصبر. اعتقد أن المزيج بين الكوميديا والرعب دائمًا ما يكون سلاحًا ذا حدين. ولكن في Abigail، نجح هذا التوازن إلى حد بعيد، حيث تم استخدام الفكاهة لتفريغ التوتر دون الإضرار بجو الرعب. لكن البعض قد يرى أن هذه اللمسات الكوميدية تُضعف من تأثير الفيلم، خاصة إن كانوا يفضلون الرعب الخالص. في النهاية Abigail ليس فيلم رعب عادي. هو مغامرة بصرية وجمالية تجمع بين الباليه والدم، بين الطفولة والوحشية، بين الضحك والصرخة. فكرة مبتكرة وإخراج بصري متقن، إلى جانب أداء تمثيلي لافت، جعلت منه تجربة مختلفة في عالم الرعب الحديث. قد لا يكون مثاليًا، لكنه بالتأكيد جريء، مسلي، ويستحق المشاهدة.